تضعيف احاديث الدجال للعلامة رشيد رضا وعمار الحريري

 يقول العلامة عمار الحريرى

مشكلات أحاديث الدجال بقلم العلامة الشيخ محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار
قبل البدء بنقل كلام الشيخ رشيد رضا فلا بد أن أشير إلى التعليقات السابقة التي حملت معظمها الإساءة والتشكيك بالنوايا بل وصل الطعن فيّ شخصيا وبشهاداتي وتخصصي والافتراء على والفجور، وهذا معهود لدى أمثال هؤلاء، ومستواهم الهابط، وبعضهم ينتقم لضحالة علمهم وسوء عملهم في مرحلة الدراسات العليا، ولكن الله حسيبهم.
إن أخطر ما يفعله هؤلاء هي العنترية والتهويش على الناس والهجوم الكاسح، جاعلين من نرجسيتهم وجهلهم وبعدهم عن النقد ومنهج المتقدمين حاكمية على الناس، ليمارسوا أسلوبهم المعهود بالاستهزاء والطعن ووصف الآخر بقلة العلم والأوهام والوجدانيات والمشكلة بالعقل زورا وبهتانا، دون طرح الردود العملية المفحمة، ومشى معهم كثير من صغار طلبة العلم وغير أهل التخصص للأسف.
إن الأخطر ما يمارسه هؤلاء من إقصاء الآخر بطريقة أنا الحق المطلق وأنتم الباطل، رافضين التوسعة والرأي الآخر ومتنكرين لمذهب السلف الذي منه رفض الإمام مالك حمل جميع الناس على موطئه بأمر الخليفة، وما أنتجه ذلك السلف من مدارس فقهية متعددة، ومدارس حديثية كالبخاري ومسلم والترمذي والبزار...، والأعجب أنهم أصدروا بيانات يطالبون فيها أكابر العلماء المخالفين لهم بالاعتذار لعدم إتباع أفكارهم ومنهجهم وتعصبهم الفكري، ولو وجدوا في عصر السلف لكانوا أكبر فتنة في فناء المسلمين وتشويه دينهم، ولما وصلنا الصحاح لأسبقية الموطأ، ولا المذاهب الفقهية كلها، فهذا أشد خطورة مما نحن بصدده الآن.
إن هذه الإساءات لن أرد عليها بالمثل، بل لن أُتعب نفسي بالرد عليها وهي متوقعة منهم، لأهتدي بهدي قرآني ونبيي صلى الله عليه وسلم، وأكلكم إلى الله الذي لا تضيع عنده مثقال حبة، وأما عامة طلاب العلم والمبتدئين وما تفوهوا به من طعن وإساءة فإني أعذرهم فهم مقلدون والساحة الآن لشيوخهم، وقد طعنوا بمن هم أفضل وأعلم بي من علماء الأمة، وإن كنت نصحتهم سابقا بعدم التسرع بالطعن والاستفادة من ذلك بمراجعة معلوماتهم وتطويرها.
ولكن أشفق على من تصدى بالرد عليّ لما فيه من ضحالة وسذاجة، متكئين على عبارات طالما قرفنا سماعها واتهموا بها كل من خالفهم، بقولهم هذا إشكال عقلك ووجدانيات وقناعات شخصية ونقد بغير علم، ومخالفة كل من سبق من العلماء من القرون الماضية، وأنت الفهمان الأوحد وغير ذلك.
بعد كل هذا ممكن أن أتراجع عن قولي بخرافة المسيح الدجال، لما آمنت به الآن من وجود دجاجلة كثر اليوم قبل المستقبل.
وإذ هرب معظم الأخوة الطاعنين من الإشكالية الحقيقية في النصوص التي ذكرتها وما وقع فيها من اضطراب واختلاف ونكارة متون أقرها قديما علماء كثر، كالنووي وابن الجوزي وابن حجر، وحاولوا حل الإشكاليات بجهد مضن وتأويلات تعسفية كلها مبنية على الاحتمالات البعيدة لا أكثر، ينقد بعضهم الآخر فيها، والعجيب من أخرج هذه العلة من علوم الحديث، ليجعل نقدي بعيدا عن التخصص، وينفي شرط العلة من شروط الحديث الصحيح. وفي الأحاديث علل
لخصها الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره المنار فقال: "إن أحاديث الدجال مشكلة من وجوه:
أحدها: ما ذكرناه آنفا من منافاتها لحكمة إنذار القرآن الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتة.
ثانيها: ما ذكر فيها من الخوارق التي تضاهي أكبر الآيات التي أيد الله بها أولي العزم من المرسلين أو تفوقها، وتعد شبهة عليها كما قال بعض علماء الكلام، وعدّ بعض المحدثين ذلك من بدعتهم، ومن المعلوم أن الله ما آتاهم هذه الآيات إلا لهداية خلقه، التي هي مقتضى سبق رحمته لغضبه، فكيف يؤتي الدجال أكبر الخوارق لفتنة السواد الأعظم من عباده؟ فإن من تلك الروايات أنه يظهر على الأرض كلها في أربعين يوما إلا مكة والمدينة...
ثالثها: وهو من متعلقات ما قبله، أن ما عزي إليه من الخوارق مخالف لسنن الله تعالى في خلقه، وقد ثبت بنصوص القرآن القطعية أنه لا تبديل لسنته تعالى ولا تحويل. وهذه الروايات المضطربة المتعارضة لا تصلح لتخصيص هذه النصوص القطعية ولا لمعارضتها.
رابعها: اشتمال بعض هذه الأحاديث على مخالفة بعض القطعيات الأخرى من الدين كتخلف أخبار الرسل أو كونها عبثا وإقرارهم على الباطل وهو محال في حقهم.
خامسها: أنها متعارضة تعارضا كثيرا يوجب تساقطها كما ترى فيما يلي. فمن ذلك التعارض أن بعضها يصرح بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرى من المحتمل ظهور الدجال في زمنه، وأنه يكفي المسلمين حينئذ شره، وبعضها يصرح بأنه يخرج بعد فتح المسلمين لبلاد الروم والقسطنطينية، ومنه أنه كان يشك في ابن صياد من يهود المدينة هل هو الدجال أم لا؟ وأنه وصف - صلى الله عليه وسلم - الدجال بصفات لا تنطبق على ابن صياد كما قال ابن صياد لأبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
سادسها: ومن التعارض أيضا أنه يصرح في بعض الروايات بأنه يكون معه (أي الدجال) جبل أو جبال من خبز ونهر أو أنهار من ماء وعسل.....
وسابعها: ومن التعارض أيضا ما ورد من اختلاف الروايات في المكان الذي يخرج منه ففي بعض الروايات أنه يخرج من قبل المشرق على الإبهام. وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم أنه يخرج من خلة بين الشام والعراق. وفي رواية أخرى لمسلم أنه يخرج من أصبهان، وفي حديث الجساسة عنده أنه محبوس بدير أو قصر في جزيرة بحر الشام - أي البحر المتوسط وهو في الشمال - أو بحر اليمين وهو في الجنوب وأنه يخرج منها، وروى أحمد والحاكم أنه يخرج من خراسان.
وقد حاول شراح الصحيحين وغيرهم الجمع بين الروايات المتعارضة في كل مسألة فجاءوا بأجوبة متكلفة ردها المحقون كلها أو أكثرها، وفيها من المشكلات غير ما أشرنا إليه ولا سيما الروايات في ابن صياد، وما كان من حلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه هو الدجال، وإقراره - صلى الله عليه وسلم - إياه على ذلك، ومتابعة جابر بن عبد الله إياه على هذا الحلف كما في الصحيحين عنه.
وقد أجاب بعضهم عن الأخير بأن هذا التقرير قد نقضه التصريح منه - صلى الله عليه وسلم - لعمر بخلافه حين قال له دعني أضرب عنقه، فقال: " إن يكن هو فلن تسلط عليه " إلى آخر الحديث وهو في الصحيح، وقد رد الحافظ ابن حجر بعض تأويلات الحافظ البيهقي في مولد ابن صياد وصفاته وفي إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر على حلفه، وعد قصة تميم الداري مرجحة لكونه غير ابن صياد، وكون عمر كان يحلف حلفه قبل سماعه لهذه القصة - لهذا أخص هذا الحديث بشيء من التفصيل فأقول إن فيه عدة مباحث". انتهى كلامه. ثم أطال في نقد حديث تميم الداري وعلله.
ذكرت كلام الشيخ رشيد رضا مطولا ليعرف البعض لست بدعا، وأعلم أنه سينال هذا العلامة من الشتم والسباب ما لم أنل، ولكن هذا دأبهم.
إن الشيخين البخاري ومسلما من أعظم أئمة الحديث وصناعه، ولكن لم يقل أحد بعصمتهما حتى نفرق بين الدجال والمهدي، وفي كل عصر جاء من استدرك عليهما، وإذ أنا قليل بضاعة العلم كما تدعون، وصاحب هوى وأوهام، فدونكم الشيخ رشيد رضا، لنرى منكم من يجاريه بالعلم والمعرفة.
ولكن والله لن تكونوا أحرص مني على الدفاع عن نبي الرحمة والعلم صلى الله عليه وسلم، فأنتم تدافعون عن البخاري ومسلم بتعصب أعمى متعامين عن ما سطره الأئمة النقاد في الاستدراك عليهما في كل عصر، وأنا أدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن البخاري ومسلم ضمن ما حملاه لنا من أحاديث سندا ومتنا دون ادعاء العصمة، ليكون مهمتهما الإحالة لنا دون القطع بعملهما.

Comments