مناقشة استدلال المحرمين لعيد الام بحديث «قد أبدكم الله خيرًا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى»

 مناقشة استدلالهم بحديث: «قد أبدكم الله خيرًا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى» .

يستدلُّ المحرمون لاتخاذ يومٍ للأمِّ ونحوه بأنه فيه اتخاذَ عيدٍ جديد، وهو منهيٌّ عنه: بما أخرجه النسائي في «سننه» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما: يوم الفطر والأضحى» .
ولا دلالة في هذا على تحريم عيد الأم (تجوُّزًا)؛ إذ إن الاتخاذ المنهيَّ عنه في هذا الحديث إنما هو اتخاذ يومٍ على وجه المشابهة مع المشركين في أمر تعبُّدي، وهو ما يدلُّ عليه نصوصُ شراح الحديث، فقد نصوا على أن اليومين اللذين كان العربُ يتخذونهما في الجاهلية: النيروز والمهرجان، وهما عيدان دينيان.
فقد قال العلامة المناوي في «فيض القدير» : «(قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية) هما يوم النيروز والمهرجان» .
ومن ثمَّ فلا دلالة لهم في الحديث.
أما العيدُ وإطلاقه على كل ما عاد فهذا معنى لغوي محض.
أما المعنى الشرعي يومٌ فرحٍ لأهل ملة معينة .
فالحافظ ابن حجر رحمه الله لما فسَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قومٍ عيدًا) وأبان عن الحكمة، قال: (يوم عيد أي: يوم سرور شرعي) .
والبدر العينيُّ رحمه الله لما فسَّره بمعنى ما اعتاده أهل ملة معينة من السرور، فقال: («إِن لكل قوم عيدًا»أ َي: أن لكل طائفة من الملل المختلفة عيدًا يسمونه باسم مثل النيروز والمهرجان، وإن هذا اليوم يوم عيدنا) .
أما عيدا النيروز والمهرجان فهما عيدان دينيان للمجوس بلا شك ، وهما اليومان اللذان كان أهل المدينة من العرب يقلدون المجوس فيهما باللعب والفرح .
فالنيروز أعظم أعياد المجوس، بل هو عيدهم الأكبر، وأول من اتخذه جم شاد أحد ملوك الطبقة الثانية من الفرس، ذلك أن دين المجوسية كان قد فسد قبله، فلما ملك جدده وأظهره فسمى اليوم الذي ملك فيه نوروز أي اليوم الجديد.
وأما المهرجان فكذلك عيد مجوسي متعلق بالشمس، حيث يزعمون أنها ظهرت للعالم في هذا اليوم فسمى بها.
فالعيدان دينيان بلا شك .
وكان شائعًا في السلف كونُ هذين العيدين دينين.
فقد أخرج البيهقيُّ عن زياد بن السكن، قال: كان زبيد اليامي ومعه جماعة إذا كان يوم النيروزويوم المهرجان اعتكفوا في مساجدهم، ثم قالوا: «إن هؤلاء قد اعتكفوا على كفرهم، واعتكفنا على إيماننا فاغفر لنا» .
هذا مع خلافٍ بين السلف ومن بعدهم في صيام العيد الكفريّ، ولكن هذه قضية أخرى منفصلة .
الخلاصة إذن:
لا حرجَ من الاحتفال بيوم الأم، في الصورة الآتية: أن يكونَ الابنُ واصِلًا لأمِّه طوال السنة ولو على فترات متقطعة، فإذا وردَ عليه هذا اليومُ زارَ أمَّه تطييبًا لخاطرها، وأهدى لها شيئًا = فلا بأسَ بذلك.
وذلك لأنَّ فعله هذا دخل في نطاق عادتِه التي يفعل طوال السنة، وكونه قد خصَّص هذا اليومَ بالزيارة لا يرتب التحريم، نعم لا يرتبُّ التحريم من حيثُ موافقة اليهود والنصارى؛ إذ هذه موافقة في أمرٍ من أمورِ العادات، مع كونِه واصلًا طوالَ السنة، ولا يرتبُّ التحريم من حيث البدعيّة؛ إذ إنه لا يعتقدُ أفضليّة شرعية لهذا اليوم.
ولا فرقَ بين من خصَّص يوم الخميس من كلِّ أسبوعٍ أو السبت الأول من كلِّ شهرٍ: لزيارة أمِّه، وبين من خصَّص هذا اليوم، اللهم إلا كون اليوم من عادة اليهودِ والنصارى، وليست الموافقة هنا محرَّمة؛ لكون المسألة  أي: التخصيص - في نطاق العادات لا العبادات.
وحاصلُ في ضابطِ المسألة ما يلي:
1- كلُّ يومٍ لا يظهر فيه وجه تعبُّد، فيخصصه الناسُ لشيءٍ معين = جائز، كيوم الأم ويوم العمال ونحو ذلك، ومثلُه ذكرى ميلاد الشخص أو ذكرى زواجه.
2- كل يومٍ ظهر فيه وجهُ تعبُّد كفري = فلا يجوز الاحتفال به، ولا المشاركة فيه، كعيد الميلاد والقيامة عند النصارى ونحوه .
3- قد ينتفي وجه التعبُّد في اليوم، ولكن يعتريه التحريمُ أو الكراهة من حيثية أخرى (غير حيثية الاتخاذ) .
- فيعتريه الحرمة مثلًا ، أو يعتريه الكراهة.
مثالُ ما يعتريه الحرمة: عيد الحبِّ، فالاحتفال به محرمٌ من حيث إنه تخليد لذكرى رجلٍ فاجر.
ومثال ما يعتريه الكراهة: اليوم الوطني، فغالبُ ما يكون فيه إذكاء النعرة الوطنية وإذابة الانتماء الديني، وهو ذريعة إلى المحرم، فأقلُّ ما يقال فيه الكراهة التنزيهية.
والله المستعان.

Comments